March 27, 2012

قضية الدستور


ينتقد العديد من الإسلاميين إعتراض الأقلية المدنية على الجمعية التأسيسية للدستور. ومن الطبع يسهل إنتقاد موقف القوى المدنية وإتهامها بالإلتفاف على الديمقراطية وإعتبار أن إعتراضها هو إستخفاف برأي الأغلبية ومعاداة للتيار الإسلامي.. ولكن هذا تبسيط لموقف المعارضين وسأحاول شرح وجهة نظرهم فى إعتراضهم على كتابة الدستور:


أولاً: الحرفية
إن كتابة الدساتير علم وله فقهائه وعلمائه الذين درسوا أليآت كتابته وتعلموا من أخطاء من سبقوهم ويفهمون العلاقات بين السلطات وكيفية جمع طموحات الشعب وصياغتها فى الشكل الذى يضمن أن الإطار الدستوري للدولة يصلح لخدمة مطالب الشعب فى الوقت الحالى وفى المستقبل. ولذلك فإن الإعتراض الأول هو أن تشكيل اللجنة جاء من نواب مجلس الشعب الذين يعبرون عن طموحات الشعب ولكن لا يملكون من الخبرة والحرفية والعلم فى أمور الدساتير ما يسمح لهم بتوصيف دور وأليآت عمل الجمعية التأسيسية. وكان أجدى بالمجلس الإستعانة بمجموعة من الدستوريين والفقهاء القانونيين لرسم خارطة الطريق لكتابة الدستور قبل الإسراع بإنتخاب اللجنة. بحيث يقترحوا للبرلمان شكل اللجنة وهيلكها وأليآت إختيارها وطريقة عملها ودور كل عضو بها وصلاحياته.. إلخ.. ولكن ما حدث هو إختيار للجنة قد - تكون أو لا تكون - ممثلة لكل أطياف المجتمع، ليس معلوم كيفية إدارتها ولا هيكلها ولا صلاحيتها  وكلها أسئلة سوف يتم طرحها فى مرحلة من المراحل سوف تعكس حجم التخبط فى عملية كتابة الدستور. ومثال على هذا التخبط هو تغيير نسبة الـ 40% ممثلين من مجلس الشعب إلى 50% فى آخر لحظة قبل البدء فى إنتخابات اللجنة. لسنا فى مرحلة تسمح لنا بتجارب الهواة وإعادة إختراع العجلة والسير فى طريق نرسم خطواته فى كل مرحلة بشكل عشوائي. نحتاج إلى رؤية واضحة يستطيع الجميع متابعتها والمشاركة فيها وتضمن الإستعانة بالخبرات المطلوبة لتفادى الأخطاء.

ثانياً: الأليآت  
وإذا تغاضينا عن عدم الإستعانة بالخبرات القانونية الخارجية أو حتى الموجودة فى البرلمان لرسم الطريق لم يتم حتى الإتفاق والإعلان عن خارطة واضحة وضعها نواب البرلمان. فلم يكن هناك ألية لإختيار أعضاء الجمعية وتعريف لدورها وأليآت العمل بها. وتم توزيع قائمة بأسماء المرشحين للجنة بدون شرح لخبراتهم أو دورهم فى الجمعية وبدون الإتفاق على أى شكل لإختيارهم؟ هل كان المطلوب من كل نائب إنتخاب رياضي واحد أم إثنان أم ثلاثة؟ هل هناك نسبة معينة للسيدات؟ للمعاقين؟ لأهل سيناء؟ كل هذه أسئلة لم يتم توضيحها قبل الإنتخاب. ولم يتم أيضاً الإتفاق على طريقة عمل اللجنة ومن المعنى بصياغة الدستور ومراجعته من الناحية القانونية ومن المسؤل عن جمع أرآء أعضاء الجمعية وكيفية جمعها والوزن النسبي لأرآء أعضائها.. إلخ من أليآت العمل فى هذه اللجنة. وبالتالى سوف نسير فى طريق متخبط – كما ذكرت أعلاه – نتلمس خطواتنا فيه بطريقة عشوائية.

ثالثاً: الإنفراد
إن الحديث عن الديمقراطية على أنها الحكم المطلق للأغلبية هو كلمة حق يراد بها باطل. إن كتابة الدستور عملية حساسة ودقيقة والغرض منها وضع الإطار الذى يحدد شكل الدولة لأجيال قادمة. والدستور يجب أن يضع فى إعتباره أن السلطة سوف تنتقل بشكل سلمي عند كل إنتخابات وأنه من الوارد أن تنتقل السلطة من حزب إلى آخر ومن أيديولوجية إلى أخرى وإلا كلما وصل فصيل جديد للسلطة أصبح من حقه أن يغير الدستور ليعكس أيديولوجياته وطموحاته. ولذلك يجب أن يكون الدستور توافقي إلى أبعد الحدود وألا يمثل فصيل سياسي واحد أو أيديولوجية واحدة بشكل مبالغ فيه لدرجة أنه إذا تغيرت إختيارات الشعب فى مراحل مستقبلية إحتاج الجميع إلى إعادة صياغة الدستور. وهذا التنوع فى الفكر ليس معكوساً فى شكل الجمعية التأسيسية التى تم إنتخابها. وإعتبار أن هذا التشكيل ممثل لطموحات الشعب لأنه يعكس رأى الأغلبية هو نوع من التعالي الغرض منه كتم الأصوات المعارضة فى عملية غاية فى الحساسية ونوع من قصر النظر لما قد يطرء من تغيرات فى طموحات الشعب المصرى على مدار العقود القادمة. كما أن فكرة المساواة بين أفراد الشعب تعنى أنه قد تتساوى أرآء الأقليات فى كتابة الدستور مع الأغلبية لحماية حقوقها. ولنأخذ مثال مبالغ فيه للتوضيح: إن إجتمعت أغلبية الجمعية بـ 51% أو حتى بـ 75% على طرد أهل سيناء منها فهل يعتبر هذا إنعكاس لرغبة الشعب وبالتالي أصبح واجب التنفيذ؟ أم أن هذا يعتبر تعدي على حقوق أهل سيناء؟ وإن كان أهل سيناء غير ممثلين (وهو حال هذه الجمعية) فمن قادر على تمثيل طموحات أهلها فى كتابة الدستور؟ إن فكرة الإنفراد بكتابة الدستور بهذا الشكل المبالغ فيه يهدد بتجاهل قطاعات عريضة من الشعب منها السيدات (6% فى اللجنة وهى تمثل 50% من الشعب المصري) الشباب (1% من اللجنة ويمثلون أكثر من 50% من الشعب) أهل سيناء، أهل النوبة، مؤسسة الأزهر، إلخ..

رابعاً: شخصيات بعينها
من العجيب أن يتم إختيار شخصيات بعينها تتنافى والمنطق البسيط، فمما أدهش العديدين إختيار مصطفى بكري لإدارة عملية الإنتخاب وهو نائب له تاريخ - فى أحسن الأحوال – عليه تساؤلات. غير مفهوم أيضاً إختيار محمد سلامة إبراهيم الذى كان مرشح فى دائرة مدينة نصر وسقط أمام النائب مصطفى النجار. فكيف يتم إختيار شخص لم يختاره الشعب لتمثيله؟ إنه نوع من العند الصبياني مع إرادة الشعب والتى ينادى القائمون عليه بإحترام إختيارات الشعب. وخاصةً أنه من المفهوم أن إختيار هذه اللجنة تم فى غرف مغلقة بين حزبي الحرية والعدالة والنور وبالتالى فأن هذه الإختيارات لم تكن عشوائية ولكنها معلومة مسبقاً. بل والأدعى من ذلك أنه هناك كفائات من الإخوان ومن السلفيين أكثر خبرة من النواب الذين تم إنتخابهم كانوا أكثر قدرة على توفير الحرفية المطلوبة ولكن لم يتم إدراجهم فى القائمة.

خامساً: الإلتفاف على الإعلان الدستوري
إن الإعلان الدستوري كان واضحاً فى خارطة الطريق وهى إنتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان قبل الدستور. ولم تكن هذه الخارطة عشوائية بل هناك منطق يحكمها وهى أن هناك ثلاث سلطات تقوم على إدارة البلاد: التشريعية والتنفيذية والقضائية. وينظم الدستور العلاقة بين هذه السلطات الثلاثة بحيث تستقل كل منهم ويكون لها دور الرقيب على الأخرتان. ولذلك فإن كتابة الدستور يجب أن تتم بالتناحر ثم التوافق بين هذه السلطات الثلاث. أما إنفراد واحدة منهم يضرب فكرة تقسيم الأدوار فى مقتل ويعطي البرلمان حق تحديد سلطاته منفرداً وتحديد شكل الرقابة التى سوف يخضع لها مجلس الشعب.

إن الطريقة التى تدار به عملية كتابة الدستور محبطة للغاية وتدل إما على جهل وعبث وإستخفاف بأهميته أو على تواطئ ساذج ومحاولة كسب أرضيات سوف تسهم فى إتساع الفجوات بين أطياف الشعب، بل وتنذر بأننا سوف ننتج دستوراً مشوهاً قد نحتاج إلى إستبداله فى المستقبل الغير بعيد. القضية ليست قضية فرد عضلات وتباهى بأغلبيات ومحاولات لى الأذرع ونواح من الأقليات ولكنها قضية بناء دولة مؤسسات تقوم على العدل والمساواة. ولكن للأسف تتفتقد منظومة كتابة الدستور - كما نراها - الحرفية المطلوبة بل وإلى الروح التى نحتاجها لتتويج هذه الثورة بالإطار المؤسسي التى قامت من أجله. الموضوع ليس إعتراضاً على نسبة الإسلاميين أو إنتمائات أعضاء اللجنة ولكنه إعتراض على المنطق والطريقة وغياب الخبرة التى تدار بها العملية.

2 comments:

  1. Please contact me dear Karshaf ,, I couldn't reach you on twitter

    I'm bad_way on twitter

    ReplyDelete
  2. Dear Ahmed, I'm unable to contact you it seems that you've blocked me..

    ReplyDelete